الاثنين، 20 يناير 2014

العسل



العســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل 

غني عن البيان ان نتحدث عن العسل كغذاء ممتاز، يعتبر في مقدمة الأغذية الكاملة ، التي اعتمد عليها الإنسان في تغذيته منذ أقدم العصور ، وأشاد بمزاياها وفوائدها، فقد ورد ذكره في القرآن الكريم بقوله تعالى: (( فيه شفاء للناس )) . ومن قبل ورد ذكره في التوراة أيام النبي يعقوب عليه السلام، حين سافر أولاده للمرة الثانية إلى مصر ، اذ نصحهم بتقديم قدر من العسل إلى فرعون مصر كهدية من شعب اسرائيل وروي عن سليمان الحكيم قوله (( إذهبوا وفتشوا عن العسل واستعملوه )).

وقد وجد العسل ، آثاره، في كثير جداً من الحفريات الأثرية في مدن الفراعنه المندثرة ، ومن الغريب أنه على الرغم من مضي ثلاثة آلاف سنة على وجود ذلك العسل في المقابر الفرعونية ، فقد تبين أنه ظل سليماً لم يطرأ عليه أدنى تحوّل اللهم الا ميل لونه إلى السواد.

كما أن التحريات الأثرية وجدت برميلاً يحوي ملاعق لم يذهب عنها أثر العسل ، الأمر الذي يدل على أن فلاحي ذلك العهد كانوا يأكلون العسل يومياً.

وورد ذكر العسل في أشعار قدماء الهنود وفي أناشيدهم المقدسة فكانوا يشيدون به كغذاء ودواء على السواء.

و العسل غذاء حي ، استمد وجوده من الأزهار و النباتات واشعاعات الشمس و الهواء ، فهو بمثابة مدخرة لمزايا هذه الظواهر الطبيعية التي تحتوي سر الحياة.

إن القرص الواحد من العسل هو نتاج طيران النحل مسافة تزيد عن ثلاثين مليون كيلومتر، يقوم النحل فيها بأربعين ألف رحلة ذهاباً وإياباً، فالنحلة تطير باحثة عن الأزهار الحاوية للرحيق، فقد خصتها الطبيعة بالقدرة على تمييز الأزهار النافعة من الأزهار الضارة أو السامة ، فهي لا تحط إلا على الأزهار النافعة فإذا ما امتصت الرحيق منها أخرجت لسانها أثناء عودتها، معرضة اياه لأشعة الشمس لتبخير الماء مما حصلت عليه من الرحيق .

فإذا ما وصلت إلى الخلية عملت بعض الخمائر التي تفرزها من فمها في هذا الشهد فيتبدل تركيبه من سكر قصب السكر سكاروز إلى سكر الفواكه لهفولوز و دكستروز وثبتت فيه الفيتامينات الحيوية التي تحمل سر فوائده التي لا تحصى.

وإذا عرفنا أن الجسم لا يفيد من سكر القصب إلا بعد تحويله إلى دكستروز ولوفولوز سكر فواكه خلال هضمه، أدركنا أن عسل النحل يوفر على الجهاز الهضمي عند آكليه مهمة ذلك الهضم و التحليل الكيماوي الحيوي الشاق. وأدركنا لماذا كان العسل مفيداً بوجه خاص للأطفال و الناقهين من الأمراض.

و النحلة الوحدة تعطي يومياً عشر غرامات من العسل يقتضيها ذلك افراغ حمولة مدتها ستين مرة أي ستين مرة تطير و تعود ويحتاج صنع كيلو عسل إلى عمل ثلاثمائة نحلة تقوم بأربعين سفرة طيران.

و العسل أنواع تختلف باختلاف المنطقة التي يجني منها النحل رحيقه، فالرحيق الذي يجنيه النحل من الغابات له قدرة خاصة على معالجة الآفات الصدرية ، و العسل المسمى ( من كل الأزهار ) هو النوع الأكثر انتشاراً من أنواع العسل ، والعسل الذي ينتجه النحل في الربيع هو أجود و أزكى رائحة وطعماً من العسل المجنى في الصيف ، لأن النحل يكون قد اصيب بالتعب لما بذل من مجهود خلال الربيع ، فلا يتخير الأزهار كما يفعل أيام الربيع.

إن الحلاوة الموجودة في العسل ، تعادل ضعفي حلاوة السكر العادي ، وبما أن هذه الحلاوة ناجمة عن سكر الفواكه المسمى
 ( له فولوز ) وليس عن السكر المسمى ( سكاروز آو غلوكوز ) فإن أذاه للمصابين بالسكري أقل من أذى السكر العادي رغم أن حلاوته تعادل ضعفي حلاوة السكر العادي.

يتألف قوام العسل من البروتئين و السكاكر، ومن الحديد و النحاس و المنغنيز، فهو بالأملاح المعدنية التي يحتويها أفضل بما لا يقاس من الأشربة الصناعية المقوية التي تباع في الصيدليات و التي لا تتقبلها المعدة بسهولة ، كما أن احتواءه على الفوسفور يجعله غذاءً ضرورياً للمفكرين و العاملين بأدمغتهم ، و الشيوخ الضعفاء .

 أما الفيتامينات التي يحتويها وعلى رأسها الفيتامين ث فتساعد على تثبيت الكلس في العظام ، ولذا فهو مفيد جداً للأطفال و الرضع الآخذين في النمو ، اذ يساعد عظامهم على التصلب ، ويثبت أسنانهم فيجعلها قوية متينة ، ويقيهم شر الكساح وتقوس الساقين ونخر الأسنان ، وحتى لو سخن العسل إلى درجة عالية من الحرارة ، فإنه لا يفقد سوى فيتاميناته أما مواده العضوية الأخرى فتبقى على فعاليتها وفائدتها.

ويفيد العسل في تنظيم حركة التنفس، وخاصة بالنسبة للمصابين بأمراض الصدر، كما أن له تأثيراً ملطفاً في حالات الجفاف وصعوبة البلع و السعال ، كما يزيد في افرازات الفم واللعاب، وله تأثير ملين.

وللعسل الأسود قيمة غذائية مرتفعة ، ويقي مستعمليه شر الإصابة بفقر الدم و يعطي الرطل الواحد منه  ما يعادل 1320 حرورة ، يحتوي العسل على مجموعة من الفيتامين ب كاملة لذلك يفيد في مرض البلاغرا المتصف بخشونة الجلد و بالإضطرابات الهضمية و العصبية ، ويكاد يكون العسل أغنى الأغذية بالمركبات المعدنية كالحديد، و الكلس و الفوسفور و الكبريت.

و تحتوي أنسجة الطفل عند ولادته على كمية من الحديد تكفيه ثلاثة أشهر فقط ، ولما كان حليب الأم فقيراً جداً في الحديد فإن اعطاء الرضيع ملعقة عسل يوميا تفيده اعتباراً من الشهر الرابع وذلك لوقايته شر الكساح و فقر الدم وكذلك يحوي العسل على خمائر ( انزيمات ) تعين على الهضم.

و العسل غني بالمعادن مثل : حديد، كالسيوم ، صوديوم ، مغنيزيوم ، كبريت ، بوتاسيوم ، فوسفور ، منغنيز كما أنه له خاصية مبيدة للجراثيم.

من المعروف بأن العسل لا يفسد إذا حفظ جيداً ، وكان المصريون يستخدمونه في التحنيط ولحفظ الجثث من التعفن ، ولقد وجد الطبيب العربي عبد اللطيف من القرن الثاني عشر ، وعاء في اهرام الجيزة مملوءاً من العسل يحوي داخله جثة طفل غير متفسخة ، كما أن جثة الاسكندر الكبير الذي توفي في البرية قد أرسلت إلى مقدونيا مطمورة بالعسل وذلك منعاً لتفسخها أثناء السفر الطويل ، وهذا ما حدث لجثث كثيرة . 

 كما أن اليونان و الرومان كانوا يستعملون العسل قبل أن وجد التبريد لحفظ اللحم طازجاً ، إذ هكذا يحتفظ اللحم بطعمه وخصائصه دون أن يتسرب إليه فساد . ولقد أجرى العالم ميلانيبليكا ومثله العالم موريس عدة تجارب أثبتا فيها أن العسل يحتوي على مواد مبيدة الحياة أي قاتلة للجراثيم تفرزها النحلة العاملة وهي ذات فعل أكيد في مقاومة الجراثيم و قتلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...