الخضار و الزُّحار
يعتبر مرض الزحار المزمن (الديزانتريا المكيسة) شائع في أكثر بلاد الشرق الأوسط.
ويبدو الزحار إما في حالات امساك مستعص، أو بتقلصات معوية تدفع بالمرء إلى دورة المياه دون حاجة ودون نظام، أو بحالة اضطراب هضمي مصحوب بانتفاخ في البطن، وغازات ناجمة عن التخمرات وقد يتعدى الزحار نظاق الامعاء إلى الكبد فيبدو فيها على شكل خراجات صغيرة أو كبيرة .
إن سبب الزحار طفيل يشبه (الحجيرة البدائية) ذات الحياة الخاصة فهذه الحجيرة تتنفس وتتغذى وتسير فترسل باستطالاتها وتبلغ كريات الدم الحمراء والمواد الغذائية، وعند تكاثرها وازديادها بالانقسام في سلسلة هندسية لا نهاية لها تغزو الجسم بأعداد هائلة.
فالحجيرة تنقسم إلى حجرتين والاثنتان أربعاً، والأربع تصبح ثماني وهكذا.
أما مصدر هذه الطفيليات فهو الخضار والفواكه الملوثة، فإن غسل الخضار بالماء وحده لا يكفي لتطهيرها من الطفيليات الزحارية التي لا تراها العين المجرده، التي تختفي داخل الانثناءات.
فإذا ما غاط مريض مصاب بالزحار على ضفة نهر، لوث مياه النهر الذي تنتشر مياهه في المدن والقرى القائمة على ضفتيه، فإذا بالخضار والفواكه التي تغسل عادة بمياه الانهار، تصبح وسيلة لعدوى كل من يتناول تكل الخضار والفواكه.
وللذباب دوره، أيضاً، في نقل الطفيليات الزحارية، فإن أرجله تحتوي على انتفاخات لزجة تلتقط الطفيليات من المياه الملوثة، أو من المزابل، لتلقي بها بعد ذلك على اطباق الاطعمه و الخبز وكل ما يؤكل ويشرب.
إن علاجات الزحار منوعة وكثيرة ، فهناك الايمثين، والستوفارسول، واليانرين، والباراميب، ولكن الطفيليات بارعة في التهرب من مفعول الأدوية المضادة لها، فما أن تفاجأ بدواء جديد، حتى تتكور وتحيط نفسها بغلاف متين دائري الشكل، تعيش شهوراً داخله، وقد تمتد هذه الشهور إلى سنوات.
وهذا ما يطلق عليه اسم (الكيس الزحاري) أو (الديزانتريا المكيسه). وهكذا فقدت جميع الأدوية التقليدية قدرتها على إبادة الطفيليات الزحارية، حتى كاد الناس ومعهم الاطباء أن يفقدوا الأمل لدرجة ان بعض البلاد كالولايات المتحدة حتمت فحص براز المهاجرين اليها للتأكد من خلوه من الطفيليات الناقلة للزحار.
ولكن دواء جديد ظهر منذ سنوات، أطلق عليه اسم (الاوريوميسين) انتشى الامل في القلوب بمفعوله القوي في حالة الديزانتريا المزمنه، فتهافت المرضى عليه غير محترسين من محذوراته، بل وحتى دون الاستعانة بالاطباء، غير عالمين بأن الاورويوميسين يلهب الامعاء ويؤذيها إذا كان متعاطيه مصاباً بالتهاب القولون، الأمر الذي يفطن اليه الطبيب فيحدد مقادير العلاج ومواعيده وفق الحاجة.
وسها اولئك المرضى عن حقيقة أخرى، بالغة الأهمية وهي ان وجود الدواء القاضي على المرض لا يعني ان المريض قد اكتسب مناعة دائمة، ما دامت الاسباب المؤدية إلى الاصابة ظلت قائمة، وما دام طعامه حاوياً بسبب ضعف الوقاية على الطفيليات المسببة للمرض وهكذا يصاب بالمرض من جديد إما بسبب تناوله خضاراً مسقيه بمياه ملوثة، أو بسبب الذباب أو أي سبب آخر.
فإذا ما ضمن المريض الا يتناول غذاء ملوثاً بعد شفائه أمكنه أن يتصور الشفاء الكامل، الأمر الذي لا يتحقق عمليا إلا باتخاذ اسباب الوقاية على مستوى الدولة والمواطنين معاً، فيقضى على الذباب قضاء مبرماً، وتؤمن للخضار والفواكه طرق مضمونة لغسلها وتعقيمها، ويحال بين المواطنين وبين المياه الملوثة، وترش الطرق و الشوارع بالمياه النقية فقط.
وبهذا وحده نستطيع أن نأمل بالقضاء على ذلك المرض الذي ينهك قوى المصابين به ويكبد الدولة كل عام ملايين الليرات تصرفها على تدارك أدوية تحقق شفاء مؤقتاً لا فائدة منه، فأنصاف الحلول هنا لا يجدي ولا بد من اجتثاث المرض من أساسه، بوسائل حاسمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق