الجمعة، 18 أكتوبر 2013

الحليب


الحلــــــــــــــــــــــــــيب

لا بد لنا أن نشير إلى أن كلمة الحليب تعني اللبن نفسه الذي يقصد في اللغة الفصحى بهذا التعبير، كما يقصد به في كثر من البلدان العربية، وخاصة مصر التي تميز بين الحليب و اللبن المصنوع منه باطلاق اسم اللبن على الحليب و اللبن الزبادي على اللبن المستخرج منه. كما يطلقون عليه في الشرق اللبن الرائب تفريقاً وتمييزاً له عن الحليب الذي يسمى اللبن.


وكيفما كانت التسمية ، وكيفما اختلفت ، فإن جميع الأسماء تشير إلى غذاء حيواني كامل ، لا حد للفوائد التي يجنيها الإنسان منه، انسجاما مع سنة الطبيعة التي جعلت من الحليب أساس حياة الأنسان و الحيوان على السواء.


ويكاد يكون مستحيلاً علينا أن نجد غذاء يماثل الحليب في خصائصه وصفاته، فهو أساس حياة الإنسان و الحيوان وعمادها ، لا يكاد يظهر الى النور حتى يستمد منه غذاءه لمدة طالت أم قصرت، فكل الحيوانات اللبونة تعتمد على الحليب في حياتها.

وقد ألف الانسان أن يشارك الحيوان حليبه ، ورأينا كل بدل يتناول حليب الحيوان الأكثر انتشارا في أرضه، ففي الهند وماليزيا وسيلان يتناولون حليب البقر الوحشي، وفي مدغشقر يتناولون حليب البقر ذي السنامين، وفي بلاد شرقية كثيرة يتناولون حليب الجمال، وفي اكثر البلاد يتناولون حليب الماعز أو النعاج أو البقر.

وفي الماضي البعيد كان حليب النعجة يستعمل في تغذية الأطفال ، ثم انقطع الناس عن ذلك ، وعادوا اليه في أواخر النصف الثاني من هذا القرن ، و المواد الدهنية في حليب النوق قريب في كميته من حليب البقر، وقد استعمل هذا الحليب في أوروبا، في العصور الخوالي لتغذية الرضع من الأطفال المصابين بضعف أو خمول.

 وقد استعمله لهذه الغاية شلوزمان في دوسلدورف بألمانيا إذ علم هذا الطبيب أن الأمهات في العربية السعودية وموريتانيا والسنغال يغذين أطفالهن بحليب النوق، مما جعل ذراريهن أقوياء أشداء وتعتقد بعض القبائل في شمال افريقيا أن من لم يشرب حليب الجمال لا يصبح رجلاً حقا ، وخلاصة الرأي أن حليب النوق مفيد رغم أنه غير مستهلك إلا في الأوساط البدوية. 


أما حليب النعجة ( الغنم ) فقد كان يستعمل في الماضي لتغذية الرضع ، ولقد عادوا إلى استعماله في أوروبا مؤخراً لهذه الغاية سنتي 1938 و 1940 بصفة تجريبية ، ولا سيما عندما يراد معالجة الإضطرابات المعدية المعوية عند الأطفال اعتادوا على التغذية بحليب البقر ، وليس لنا أن نستخف بهذا الغذاء اذا اشار الطبيب أو عندما يكون المرء في الريف محروما من أي نوع آخر من الحليب ، مع الأخذ بعين الاعتبار طبعاً الوقاية الصحية المعتادة التي لا ينبغي اهمالها كلما دعا الأمر إلى تناول الحليب الذي هو من أصل حيواني مهما كان نوعه: كالغلي بعد التصفية ثم نزع القشدة عنه عندما يراد اعطاؤه للرضع الصغار و تحليته بالسكر .

أما حليب الماعز فقد كان هدفاً لنقد كثير فيه تجن كثير من قبل المختصين بأمراض الأطفال وعلماء التغذية ، غير أن جميع هؤلاء لم يستطيعوا التشكيك في قيمته ،  ففي سنة 1916 قام شلما وغلازمان وزيزين بلفت أنظار الهيئة الطبية إلى مرض خطير لوحظ وجوده لدى بعض الأطفال الذين تغذوا بلبن الماعز، ويبدو واضحاً أن هذا المرض ناجم عن فقر هذا الحليب بالنحاس فهو لا يحتوي من هذا المعدن إلا على نصف مقدار ما يحويه حليب البقر.

إن المثل الشائع : اشرب الحليب فهو ينبوع من الكلس لا ينضب 
يستند إلى حقيقة علمية متينة ، إذ أن حليب البقر يحتوي على 125 ملغرام من الكالسيوم في كل مائة غرام ، وحليب المرأة يضم 30% من وزنه كلساً 

ويجب أن لا يغرب عن البال أن العبرة ليست كمية الكالسيوم وحدها الموجودة في غذاء ما بل لا بد من ملاحظة النسبة الكلاسيكية بين الكالسيوم و الفوسفور والتي لا ينبغي لها أن تهبط عن النصف بالمئة ، ذلك لأن الكالسيوم لا يتثبت في الجسم ولا يتركز في الأسنان و الأظافر و العظام بدون الفوسفور.
 

وهذا ، لا بد لنا من التنويه بأن حاجة جسم الإنسان إلى الكالسيوم كبيرة ، لا يمكن للحليب أن يسدها إلا إذا تناول المرء بكميات كبيرة ، ولكن شرب كميات كبيرة من الحليب قد تسبب تقززاً ونفوراً من هذه المادة وقد لوحظ ذلك عند من فرضت عليهم الحمية الحليبية كمرضى القرحة المعدية ، ومرضى القلب، والمريضات من الحوامل و المرضعات ، لذلك ينصح من يضطر إلى تناول كميات كبيرة من الحليب على تعاطيه بجرعات صغيرة ليسهل خلطه باللعاب فيهضم جانب منه في الفم ويستقرالباقي في المعدة ليتخثر دقيقة يسهل على العصارات المعدية النفوذ إلى داخلها وتفتيتها وهضمها  أو ينصح بمزج الحليب بالشاي أو البسكويت ، لتكون خثراته رقيقة صغيرة يسهل على المعده هضمها.

كذلك ينصح بانتخاب نوع الحليب إذ أن كأسا من حليب طيب المذاق تعطي نتيجة أفضل من ليتر من نفس الحليب يؤخذ بقرف وتقزز وقد تثير حس التقيء إن هذه النصائح تعين المرضى الموضوعين بالحمية الحليبية على تسهيل هضمهم ، وعلى التخلص من الغازات البطنية التي يولدها شرب الحليب بكثرة ، ومن المستحسن أيضا تناول كؤوس الحليب تارة بارداً كمشروب مرطب وتارة حاراً ممزوجاً بالقهوة أو بالشاي ، والعبرة إذن بكيفية شرب الحليب فضلاً عن كميته.

ويحتوي الحليب على ملح الطعام كلورور الصوديوم بمقدار 1.6 غرام في الليتر ولذلك فإن اعطاءه بكميات كبيرة للمصابين بأمراض قلبية أو كليوية لا يخلو من حذر لذلك أصدرت المعامل حليباً معلباً بشكل مسحوق لا يحوي أكثر من 0.23 غرام من الصوديوم في كل ليتر ... وعندئذ يستطيع المصاب بمرض قلبي أو المصاب بارتفاع درجة التوتر الشرياني ( الضغط ) الإطمئنان إلى الحمية الحليبية وإلى استهلاك كميات كبيرة من هذا الحليب الذي تقل مقادير الصوديوم فيه عن مثيله من الحليب الطبيعي سبع مرات تقريباً .

وإن حاجة الجسم إلى الكالسيوم أثناء الحمل ، تبلغ عشرين غراماً خلال الأشهر السبعة الأولى و 65 غراماً خلال الشهرين الأخيرين ، غير أن كثيرات من النساء الحوامل يكرهن الحليب الصافي، لذا فإنه يعطى اليهن أشكال متنوعة أو ممزوجاً مع بعض الأغذية التي تدعمه بمقادير كلسية أخرى .... كأن يعطى مع العسل أو مع البيض.

 
وأخيراً فإن تسخين الحليب لمدة طويلة أو تكرار تسخينة يفقده الكثير من محتوياته من الكالسيوم والحديد و اليود لالتصاقها بالوعاء أو تحولها إلى مركبات صعبة الهضم.

يتناول الرياضيون الحليب طواعية بمعدل نصف ليتر إلى ليتر ونصف يوميا ويتقبلونه قولا حسنا ويأخذونه عن قناعة بأنه يفيدهم في مبارياتهم وفي تنمية عضلاتهم . ولا يقتصرون عليه طبعاً بل أن شربهم الحليب هو استعاضة عن الماء كما يفعل جلّ الأميركان .

وللحليب صلة وثيقة بقوة الرجل الجنسية . والحليب غذاء مثالي للطلاب و المشتغلين بعقولهم وقد أخذت بعض الحكومات الشرقية الكويت و الغربية بتوزيع الحليب على طلاب المدارس في الفترات ما بين حصص الدراسة . ويتهالك الموسيقيون والأدباء و الشعراء و الفنانون في اوروبا على تجرع الحليب نهاراً عوضا عن المكسرات .

إن حليباً نزعت قشدته كما ذكرنا يفيد من يرغب في انقاص وزنه ، فهو يساعد البدين على ازالة سمنته وبدانته . لذلك يفتش البدين في بلاد الغرب على معلبات الحليب المنزوعة قشدته منه و الخالي من الصوديوم ... لأن الصوديوم كما هو معلوم يحبس الماء في الجسم ويركزه في الأنسجة ... إن حليباً مثل هذا يعطى للبدين مع عصير الفواكه و اللحوم غير السمينة والتي تؤكل مشوية و الخضار الطازجة تشكل حمية ريجيماً مثالية لكل بدين و بدينة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...